كلمة أسير قد يعرفها الكثر من الناس،
ولكن لا أحد يعرف عذابات هذه المفردة من اللغة العربية سوى صاحبها وأقربائه، من الأم مروراً بالأخت و الزوجة و انتهاءً بالابن.
ففي مقابلة أجريتها لوكالة شباب ميديا الجامعية مع فادي صلاح الطالب في جامعة النجاح الوطنية، و احد أبناء المحررين في صفقة التبادل الأخيرة، يشرح و يصف لنا جزءً من مدامع هذه الكلمة قبل و أثناء و بعد الإفراج.
صف لنا مشاعرك كونك ابن مطارد يتوقع استشهاد والده أو أسره بأي لحظة؟
بصراحة كنت على علم بوضع الوالد، وأن الوالد ملاحق من الاحتلال، وأنه قد يؤسر في أي لحظة.
كنا أنا والوالد وأخي محمد على السطح نوماَ عندما دخل اليهود واعتقلوا والدي تحديدا في(25\6\2002)، كنت في ذاك الوقت في ال11من عمري . لم أتوقع أسره لمدة طويلة فقد كنا متعودين على الفترات السجنية القصيرة، لكن عندما أتت السجنة الأخيرة توقعنا أن تطول عن سابقاتها، لكن ليس بهذا الطول .
هذه المؤبد اللعين ومنذ سماعي للإعلان عن نتيجة المحكمة لم أتخيل بأن والدي سيمضي كل هذه الفترة الطويلة. كان الأمل يحدونا في خروجه قريبا وبدا ذلك جليا عام 2004، إلا أن هذا الحلم تبدد، ولكن سرعان ما أتى بصيص الأمل الجديد عندما كان الحديث عن صفقة لإخراج أسرى في عام 2005 وكنا نأمل أن يكون والدي من بينهم. لكن هذا الأمل تبدد في ظل عدم الموافقة على إقحام المؤبدات في الصفقات التبادلية .
وحتى بعد أن كبرت وازداد وعيي ومع تضائل فرص الإفراج عن الوالد إلا أن الأمل كان يحدوني دائما بأنه لن يطول بقاؤه في السجن .
كان ما يؤرقني هو عدم زيارة والدي في السجن، فأن لم أزر والدي إلا مرة واحدة .
ما هي المشاكل التي واجهتك بعد أسر والدك، و كيف واجهتها؟
صحيح أن عبئ المسؤولية الكبير الذي كان على عاتقي مؤرق ومتعب، إلا أن المساعدة الدائمة من أمي وأخواتي كان لها الدور الأكبر في تخفيف مصائب الحياة علي، فمع صغر سني جاءت مصيبتي باستشهاد أخي(معيل العائلة الوحيد)، بعدها قمنا ببيع بيتنا وانتقلنا إلى بيت مستأجر (ما زلنا فيه) .
أستطيع القول بأن هذه الفترة من أصعب المراحل، فالحزن كان مخيما في داخلي إلا أني لم أظهره لمن هم حولي، كنت أحاول الظهور بمظهر الشاب الهادئ الذي يحيا حياته العادية، كان الناس من حولي ومع علمهم بمصيبتي يستغربون كل الاستغراب من هذه الشخصية، الشيء الوحيد الذي كان يبقيني ثابتا ومتيقنا من نفسي أمام الناس ما كان يصلنا من أخبار عن والدي من أصدقاءه المفرج عنهم، فهي تسر الخاطر، فمعنوياته المرتفعة رغم كل المآسي علمتني أن أبقى ثابتا بصورة متميزة أمام المجتمع .
كيف تلقيتم خبر الإفراج، و خبر إتمام الصفقة؟
كان الأمل يحدونا دائما بعدم بقاء الوالد طيلة مدة الأسر، وجود الأنباء المتتالية عن صفقة الأسرى والحديث العام عن الرغبة التامة في الشارع الفلسطيني لإتمام هذه الصفقة خصوصا ببنودها التي اعتبرها جل الشارع أتت أكلها من عملية الاختطاف .
بصراحة غالبية عائلات الأسرى كانت تعلم بالصفقة قبل شهر من خروج الأسرى، وكنا مستعدين لذلك، هذا الأمر الذي دعانا للتساؤل لدى الوالد، فعلمنا منه أن الأسرى المؤكد خروجهم كانوا يعلمون بالرغبة الكامنة لدى المتفاوضين لإتمام الصفقة، وأن هذا هو السبب الذي دعاه وغيره إلى بدء إخراج أمتعتهم من غياهب السجون قبل شهرين من الصفقة .
مع وجود الثقة الكاملة والأمل بخروج الوالد، إلا أن نبأ خروجه لا زال حلما، حتى الآن لا أستطيع تخيل الوالد بيننا بأمان تام، أذهب إلى الشارع، إلى الجامعة، أعود إلى المنزل ، الوالد موجود فيه، هذا الحلم الرائع .
فترة التسع سنوات جعلت من الطبيعي عدم وجود البسمة والفرح في هذا المنزل إلا أنها بدأت تعود والحمد لله .
ضعنا في أجواء فرحة الإطلالة بعد معانات السجون و الإبعاد؟
استقبلنا الوالد في رام الله في الحفل الذي أقيم في المقاطعة، كنت أبحث عن الوالد وكذالك كان يبحث عنا إلى أن أخبرنا أحدهم بوجوده في أحد الأمكنة فذهبنا إليه، كان عمي أول الوصول إليه. كان بادئ الأمر من الصعب عليه التعرف إلى عمي، وعندما التقينا به لم يعرفني ولم يعرف أحدا منا كان أصوات البكاء التي تعم المكان صاخبة، فاضمحلت بكاء مع عناقه، هي فرحة اللقاء، هي ظلم السجان، الذي انتزع صورة الابن من مخيلته مرت التساؤلات على مخيلتي! كيف كان يراني، يتخيلني ؟!، كيف كان يعتبرني؟! .
هذا التساؤلات مفادها تعجبه عندما عرفه عمي بلهفة : ابنك فادي
بجملة قالها : يشبه فادي !! .
اللحظة الأصعب في هذا الاستقبال هي قدومنا إلى المنزل في جنين، وتعجب الجميع من رفضه دخول المنزل، أبى بشدة إلا أن يكون لقياه ولده الشهيد : فنادى إلى المقبرة يا أعزائي .
والدي حتى الآن متعب، فقد كان مضربا عن الطعام في السجن، ورغم محاولات المنع المتكررة من أصدقائه في السجن إلا أن أبى إلا أن يشارك، فأبي مريض بالسكري والضغط وكبر العمر(58 عاما)، إضافة إلى عدم الرؤية بعينه اليمنى – بسبب الإهمال الطبي -، وكذلك آلام في قدمه اليسرى التي أصيبت في إحدى محاولات القمع المتكررة للسجون والتي ضغط أحد السجانين عليها بحذائه .
ما هي إنجازاتك رغم غياب الحامي و المعيل و ما هي تطلعاتك المستقبلية؟
أنا أعتبر نفسي أنجزت وكشخص وحيد لا وجود لولي أمر يرعاه، مع الحب الشديد لما أولته أمي لي من رعاية وكان لها الأثر البالغ في المحافظة علي . وجود الطموح هو الدافع الأهم للوصول إلى الصورة التي يراها فيَ والدي .
تدخلي يتخصص في الأمور الشرعية ويتداخل في المحاكم والأعمال الدينية المختلفة، وهو شبيه بمادة الدراسات الدينية .
أنا لا أفكر الآن في العمل خارجا، ولكني لا أخفيك سرا أني كنت ولا زلت أجد العمل في الخارج أفضل بكثير في ظل هذا التخصص، ومرت على خاطري بعض التصورات بإبعاد والدي إلى الخارج هو مجال مهم للتوسع لي في العمل، لكن بعد الإفراج زالت هذه الأفكار ولا أفكر مليا في العمل خارجا.
المقابلة في وكالة شباب ميديا
بصراحة كنت على علم بوضع الوالد، وأن الوالد ملاحق من الاحتلال، وأنه قد يؤسر في أي لحظة.
كنا أنا والوالد وأخي محمد على السطح نوماَ عندما دخل اليهود واعتقلوا والدي تحديدا في(25\6\2002)، كنت في ذاك الوقت في ال11من عمري . لم أتوقع أسره لمدة طويلة فقد كنا متعودين على الفترات السجنية القصيرة، لكن عندما أتت السجنة الأخيرة توقعنا أن تطول عن سابقاتها، لكن ليس بهذا الطول .
هذه المؤبد اللعين ومنذ سماعي للإعلان عن نتيجة المحكمة لم أتخيل بأن والدي سيمضي كل هذه الفترة الطويلة. كان الأمل يحدونا في خروجه قريبا وبدا ذلك جليا عام 2004، إلا أن هذا الحلم تبدد، ولكن سرعان ما أتى بصيص الأمل الجديد عندما كان الحديث عن صفقة لإخراج أسرى في عام 2005 وكنا نأمل أن يكون والدي من بينهم. لكن هذا الأمل تبدد في ظل عدم الموافقة على إقحام المؤبدات في الصفقات التبادلية .
وحتى بعد أن كبرت وازداد وعيي ومع تضائل فرص الإفراج عن الوالد إلا أن الأمل كان يحدوني دائما بأنه لن يطول بقاؤه في السجن .
كان ما يؤرقني هو عدم زيارة والدي في السجن، فأن لم أزر والدي إلا مرة واحدة .
ما هي المشاكل التي واجهتك بعد أسر والدك، و كيف واجهتها؟
صحيح أن عبئ المسؤولية الكبير الذي كان على عاتقي مؤرق ومتعب، إلا أن المساعدة الدائمة من أمي وأخواتي كان لها الدور الأكبر في تخفيف مصائب الحياة علي، فمع صغر سني جاءت مصيبتي باستشهاد أخي(معيل العائلة الوحيد)، بعدها قمنا ببيع بيتنا وانتقلنا إلى بيت مستأجر (ما زلنا فيه) .
أستطيع القول بأن هذه الفترة من أصعب المراحل، فالحزن كان مخيما في داخلي إلا أني لم أظهره لمن هم حولي، كنت أحاول الظهور بمظهر الشاب الهادئ الذي يحيا حياته العادية، كان الناس من حولي ومع علمهم بمصيبتي يستغربون كل الاستغراب من هذه الشخصية، الشيء الوحيد الذي كان يبقيني ثابتا ومتيقنا من نفسي أمام الناس ما كان يصلنا من أخبار عن والدي من أصدقاءه المفرج عنهم، فهي تسر الخاطر، فمعنوياته المرتفعة رغم كل المآسي علمتني أن أبقى ثابتا بصورة متميزة أمام المجتمع .
كيف تلقيتم خبر الإفراج، و خبر إتمام الصفقة؟
كان الأمل يحدونا دائما بعدم بقاء الوالد طيلة مدة الأسر، وجود الأنباء المتتالية عن صفقة الأسرى والحديث العام عن الرغبة التامة في الشارع الفلسطيني لإتمام هذه الصفقة خصوصا ببنودها التي اعتبرها جل الشارع أتت أكلها من عملية الاختطاف .
بصراحة غالبية عائلات الأسرى كانت تعلم بالصفقة قبل شهر من خروج الأسرى، وكنا مستعدين لذلك، هذا الأمر الذي دعانا للتساؤل لدى الوالد، فعلمنا منه أن الأسرى المؤكد خروجهم كانوا يعلمون بالرغبة الكامنة لدى المتفاوضين لإتمام الصفقة، وأن هذا هو السبب الذي دعاه وغيره إلى بدء إخراج أمتعتهم من غياهب السجون قبل شهرين من الصفقة .
مع وجود الثقة الكاملة والأمل بخروج الوالد، إلا أن نبأ خروجه لا زال حلما، حتى الآن لا أستطيع تخيل الوالد بيننا بأمان تام، أذهب إلى الشارع، إلى الجامعة، أعود إلى المنزل ، الوالد موجود فيه، هذا الحلم الرائع .
فترة التسع سنوات جعلت من الطبيعي عدم وجود البسمة والفرح في هذا المنزل إلا أنها بدأت تعود والحمد لله .
ضعنا في أجواء فرحة الإطلالة بعد معانات السجون و الإبعاد؟
استقبلنا الوالد في رام الله في الحفل الذي أقيم في المقاطعة، كنت أبحث عن الوالد وكذالك كان يبحث عنا إلى أن أخبرنا أحدهم بوجوده في أحد الأمكنة فذهبنا إليه، كان عمي أول الوصول إليه. كان بادئ الأمر من الصعب عليه التعرف إلى عمي، وعندما التقينا به لم يعرفني ولم يعرف أحدا منا كان أصوات البكاء التي تعم المكان صاخبة، فاضمحلت بكاء مع عناقه، هي فرحة اللقاء، هي ظلم السجان، الذي انتزع صورة الابن من مخيلته مرت التساؤلات على مخيلتي! كيف كان يراني، يتخيلني ؟!، كيف كان يعتبرني؟! .
هذا التساؤلات مفادها تعجبه عندما عرفه عمي بلهفة : ابنك فادي
بجملة قالها : يشبه فادي !! .
اللحظة الأصعب في هذا الاستقبال هي قدومنا إلى المنزل في جنين، وتعجب الجميع من رفضه دخول المنزل، أبى بشدة إلا أن يكون لقياه ولده الشهيد : فنادى إلى المقبرة يا أعزائي .
والدي حتى الآن متعب، فقد كان مضربا عن الطعام في السجن، ورغم محاولات المنع المتكررة من أصدقائه في السجن إلا أن أبى إلا أن يشارك، فأبي مريض بالسكري والضغط وكبر العمر(58 عاما)، إضافة إلى عدم الرؤية بعينه اليمنى – بسبب الإهمال الطبي -، وكذلك آلام في قدمه اليسرى التي أصيبت في إحدى محاولات القمع المتكررة للسجون والتي ضغط أحد السجانين عليها بحذائه .
ما هي إنجازاتك رغم غياب الحامي و المعيل و ما هي تطلعاتك المستقبلية؟
أنا أعتبر نفسي أنجزت وكشخص وحيد لا وجود لولي أمر يرعاه، مع الحب الشديد لما أولته أمي لي من رعاية وكان لها الأثر البالغ في المحافظة علي . وجود الطموح هو الدافع الأهم للوصول إلى الصورة التي يراها فيَ والدي .
تدخلي يتخصص في الأمور الشرعية ويتداخل في المحاكم والأعمال الدينية المختلفة، وهو شبيه بمادة الدراسات الدينية .
أنا لا أفكر الآن في العمل خارجا، ولكني لا أخفيك سرا أني كنت ولا زلت أجد العمل في الخارج أفضل بكثير في ظل هذا التخصص، ومرت على خاطري بعض التصورات بإبعاد والدي إلى الخارج هو مجال مهم للتوسع لي في العمل، لكن بعد الإفراج زالت هذه الأفكار ولا أفكر مليا في العمل خارجا.
المقابلة في وكالة شباب ميديا
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أي تعليق مسيئ أو يحوي على كلمات لا أخلاقية سيتم حذفه .. شكرا لكم