( 8 أشخاص أو 9 أو 10 ... مش مهم العدد المهم نوصل )
تعابير مختلفة في باكر الصباح: وجوه مشمئزة، أنفس متضايقة، أجساد
متلاصقة لحد لا يوصف، أنفاس غائظة غاضبة، لكن لا أحد يجيب.
قبل حوالي 3 أسابيع خرج سائقو التكاسي، ونقابة العمال نحو الشوارع
مضربين ومهللين بالاحتجاج ضد غلاء الأسعار، لكنهم وعلى ما يبدو اتجهوا بعد
احتجاجهم ضد الطلبة متناسين أن هذه الأزمة التي وإن حلت، قد نزلت بالجميع، بالسائق،
والموظف، والعامل، والطالب و... .
جوع وعمل ومال، هكذا حياة الشارع الفلسطيني، ويزيدها ظلاما وأسى من
لديه طالب يدرس في الجامعة. ولا يكفي الأهل دراسة أبنائهم، وتكاليف الدراسة،
ومصروفهم الجامعي، حتى يأتي دور المواصلات التي أصبح الكثير من السائقين يتسارع من
أجل استغلال هؤلاء الطلبة.
وعل كثيرا من الطلبة لا يستطيع الحديث، أو أنه تعود على هذا الحال ولا
يرغب في تغييره، فأصبح الحال كما الحال الذي هم فيه في جامعاتهم.
يوم الخميس 4/10/2012 صحبنا الطالب في كلية الإعلام براء يحيى، والذي
قرر الحديث حول هذه المشكلة، ورافقنا إلى المناطق التي يُنزل فيها سائقو التكاسي
الطلبة القادمين إلى الجامعة.
براء يحيى طالب في كلية الإعلام في السنة الثانية من دراسته لتخصص
الإذاعة والتلفزة، وهو من بلدة كفراعي قضاء محافظة جنين، عايش هذه التجربة، ولكنه
لم يستطع أن يرفضها، لكنه حين انفك منها رفضها، وأعلن رغبته في التصدي لها حتى
زوالها.
براء الآخر
يتحدث يحيى عن التكاليف واصفا إياها بالباهضة، حيث كانت تصل إلى 25 شيقل،
لكنها وبعد ارتفاع أسعار المحروقات قاموا برفعها إلى 30 شيقل، وحتى الآن لم ينزلوا
أسعارها.
ويضيف قائلا إن هذا الاستغلال بزيادة الأجرة، ليس وحده سببي أو سبب أي
شخص في الإعتراض، فبالإضافة إلى ذلك فإن السائقين يقومون بوضع حمولة زائدة في سيارة
النقل التي تتراوج سعتها ل 7 ركاب، لتصل إلى 9 أو 10 طلاب بالإضافة إلى السائق. وبالإضافة
إلى ذلك فإن عمل هؤلاء السائقين ليس قانونيا، فخط السير هذا لا يملك إلا خطا
واحدا، وهم ينقلون على هذا الخط تجاوزان وحتى دون ان يقتطعوا أوراقا من الشرطة من
أجل تحويل مجرى الخط لتلك الرحلات.
بعد كل هذه المخالفات يقوم السائق بالتقليل من احترام الطالب في حال
اعتراضه مستخدما عبارة (( مش عاجبك وضعي شوف حد غيري يطلعك))، (( اللي مش عاجبه
ينزل)).
كل هذا وبعض السائقين لا يتاونون عن تقليل الاحترام لنا، والمشكلة
الأكبر أن قريتنا ومع العدد الذي تحويه من الطلبة الذين يدرسون في جامعة النجاح،
فإن القرية لا يتوفر لها غير سيارة واحدة تعمل بشكل قانوني على خط كفراعي - نابلس،
لكنها حتى الآن لا تعمل.
وكثيرا ما تجول في النفس أسئلة كثيرة لما يطرحه هؤلاء السائقون:
إحداها كيف يمكن للطمع أن يتزايد لدى هؤلاء الناس ؟!، فهو لديهم كالهواء يتزايد
باضطراد، فكلما ارتفع الإنسان احتاج إلى الاكسجين أكثر وبسرعة أعلى، وهم هكذا كلما
زاد الوضع الإقتصادي سوءا، زادوا في رفع الأسعار، وزادوا من حججهم عن وضعهم
الاقتصادي، مع أن الله قد أنعم عليهم، وزادهم بما لا يصدقه أحد، ومع هذا فهم لا
يتوانون لحظة عن استغلال الطلبة في أي فرصة سانحة.
سكوت أم خوف
يستكمل براء قوله: حاولت مرارا تقديم الشكاوي لدى شرطة المرور،
لكن دون فائدة، لا أحد يستجيب لنا، لدرجة أننا وصلنا إلى حالة اليأس بعد أن رأينا
الشرطي يقف أمام الجامعة مع دراجته ويأتي السائق وينزل حمولته في مسافة لا تبعد
100 م عن الشرطي، وبعد هذا لا يحرك الشرطي ساكنا !.
ويضيف أحمد تميم الطالب الآخر من بلدة كفراعي، وطالب قسم الصحافة
المكتوبة والإلكترونية في الجامعة: إننا تقدمنا مرارا وتكرارا بالشكوى إلى البلدية
في البلدة، لكنها لم توفر أي حلول، وحتى الشرطة تعلم بالموضوع، لكنها لا تحرك
ساكنا، ففي أكثر من موقف عندما تقوم الشرطة بعمل حاجز عند محطة المحروقات (بالقرب
من بلدة عجة) يحول السائقون مسارهم من السهل، والشرطة تراهم ولا تحرك ساكنا أيضا.
إعلام أم ماذا ؟
في أغلب الأحيان يحاول الإعلام الوصول إلى الأحداث، وخاصة المواد التي
ستسعد جمهوره، لا تحزنهم، وتبقيهم على مستوى "ثقافي" من الجمهور.
يقول براء: حاول بعض الطلبة وبشكل شخصي التواصل مع الإذاعات، لكن دون فائدة،
فلم يلقى الطلبة آذانا تستمع لشكواهم، رغم الوعود المستمرة من قبل الإذاعات
بمتابعة قضيتهم، والبحث فيها حتى تحقيق الأنسب.
وفي محاولة يبدو أنها جريئة قليلة عن اعتراضات الطلبة الكلامية فيما
بينهم، اقتنع الطلبة وقاموا بتنظيم يوم
احتجاجي في البلدة ضد المواصلات، وما يعانونه من السائقين.
إلا أن هذا الاحتجاج لم يستمر طويلا، فهو ليوم واحد، وحسب ردة فعل
يحيى حول الاحتجاج: فإن هذا الاحتجاج لا فائدة منه، يوم كهذا برأيه يجب أن يأتي في
فترة دوام الطلبة، لا أن يأتي في نفس اليوم الذي أعلنت فيه نقابة العاملين عن
إضرابها، أو أن يأتي في يوم عطلة الطلبة، فهكذا عمل لن يجبر السائقين على الالتزام
بالطرق القانونية، وعدم ارتكابهم للمخالفات. كل هذا ولم يتجاوز عدد المحتجين النصف، فالطلبة
تخاف من السائقين أن لا تقلهم إلى الجامعة؛ هذا السبب أدى بالطلبة القائمين على الموضوع
من التراجع عن فكرتهم لأنهم لم يلاقوا الدعم الكافي من الطلبة ومن أهالي البلدة.
أين المقاطعة ؟!
براء بتقاسيم وجهه الحزينة، وبصوته المنزعج: "عن أي مقاطعة بتحكي
! "، لا أحد يريد المقاطعة؛ بحجة أنه لا يوجد أحد يغطي غيابات المحاضرات في
الجامعة والتي سيفصل الطالب من محاضراته إذا وصل عدد محاضرات غيابه 6 غيابات؛ ولو حصل
حتى موافقة من الطلبة، فإن الأغلب لن يلتزم لهذا السبب.
مشكلتنا اليوم ليست مشكلة مواصلات، مشكلتنا مشكلة عدم اكتراث من أحد،
بلدتي لا تبعد عن الجامعة مسافة نصف ساعة في السيارة. وعن نفسي فقد قررت المقاطعة،
وأستاجرت سكنا في مدينة نابلس، ويوما الخميس والأحد أذهب إلى مدينة جنين وأستقل
مواصلاتها حتى لا أتعامل معهم.
أما تميم فقد قال حول المقاطعة: حاولنا المقاطعة ولم تنجح محاولتنا،
يبقى سؤال الطلبة والأهل، أين البديل ؟!؛ الوزارة لم ترسل إلا خطً واحدا للبلدة،
ولغاية الآن لا يعمل هذا الخط.
أسئلة في البال
أسئلة هؤلاء الطلبة واستفساراتهم كثيرة، تبقي المستمع إلى معاناتهم
منصتا دون حراك، فهكذا هي معاناة هؤلاء، هم كثيرون .. كثيرون بالقدر الذي فيه قرى
وسائقون، لا أحد يعلم بهم، ولا أحد يعلم باسم بلداتهم .. اختار كثير منهم حل
الصمت، لكن جزء منهم يري الآن حله بأن الساكت عن الحق شيطان أخرس.
ويبقى السؤال الوحيد لبراء، ولأحمد وكل من يعاني هذه المشكلة، سؤالا
تشكيكيا في كل ما يمس حياتهم، وما حولهم:
أين الأخلاق ؟!
أين إعلامنا ؟!
أين البلدية ؟!
أين شرطة المرور ؟!
أين أصدقائنا ؟!
أين الجامعة ودورها ؟!
أين مجلس طلبتنا ؟!
أين القانون من كل هذا وهو الذي يقول: لا أحد فوق القانون ؟!!
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أي تعليق مسيئ أو يحوي على كلمات لا أخلاقية سيتم حذفه .. شكرا لكم