الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

سواد العسل وبياضه


أسعد أبو طامع
14 / 7 / 2012
لا تكون الأفلام المصرية في غالب الأحيان في مظهر الجمال الذي قد يرنو المرء الوصول به إلى درجة الاحترافية في إخراج عمل مهم يغير حياة الناس، وخاصة أن المشاهدين للأفلام المصرية غالبا ما يأخذون هذه الأفلام على محمل غير المحمل الجدي؛ وذلك لما رسمته صورة الأفلام السابقة وما عودت المشاهد العربي على صورة موحدة لا تخرج أكثر من إطار الجنس والفكاهة والسخرية والدراما العاطفية.
عل النسق الذي نتحدث عنه في فيلم عسل اسود يخرج من هذه الدائرة، ولعل الدور الأبرز في ذلك للمخرج خالد مرعي ولبطل الفيلم أحمد حلمي. فقد أظهرا مصر في حلة جديدة، بألمها وآمالها، بغنيها وفقيرها، بالمواطنة التي فيها والسياحة الأجنبية، بالوساطة والرشوة، بشعب مصر الحنون العاطفي الذي لا ينقلب مع انقلاب التغيرات السياسية والاقتصادية و.... إلخ.
يعتبر فيلم عسل اسود مجسدا للواقع وظروف الحياة في مصر. ورغم احتواء الفيلم على الانتقادات إلا أن الفيلم ناقش قضايا مهمة للمجتمع المصري وعل بعض المشاكل تنطبق على المجتمعات العربية الأخرى، فأهم قضية هي قضية السواح الأجانب في مصر، وكيف تتم السرقة(النصب) عليهم، ومعاملتهم بأرقى حلة، وخاصة فيما يتعلق بالجنسية الأمريكية التي يحملها بطل الفيلم مصري عربي السيد (أحمد حلمي)، ودلل على ذلك في بداية الفيلم بكيفية خوف المواطن المصري صاحب الجواز الأمريكي إلى العودة إلى مصر دون حمله للجواز الأمريكي الذي سيلقى فيه معاملة حسنة طيبة وكيف أن مصري سيكون متعبا نتيجة قبوله بتحمل الوطنية والتنقل بجوازه المصري دون القدوم بالجواز المصري الذي يمثل انتمائه لوطنه.
وناقش الفيلم أيضا قضية العادات المجتمعية، وكذلك النظافة التي يجب تحملها بشكل شخصي وأن نتوقاها كي نبقي على بلدنا نظيفة وفي حلة جميلة، ورغم أن هذه اللقطات كانت بجزئيات مبسطة إلا أنها عكست مفاهيم قوية وبينت أهمية اتباعها.

كل هذه القضايا التي ناقشها الفيلم، أعيد نقاشها السبت 14/7/2012 في عرض سينمائي للمجموعة الشبابيىة الفلسطينية "نادي زدني" في مدينة جنين وبالتعاون مع سينما جنين، حيث طرح النادي وللمرة الثانية ما يطلق عليه اسم سينما زدني والتي ابتكرها النادي، وتقوم على اختيار فيلم ومتابعته بشكل جماعي، ومن ثم نقاشه للخروج بمعان ونتائج معلومات أفضل عن الأفلام، وذلك من خلال ما يطرحه كل المشاهدين وكل حسب رؤيته، عضو زدني محمد خميس إلى أن الأهداف المرجوة من هذا النشاط:
أولاً: التأكيد على أن هناك إعلام يستحق تسليط الضوء عليه لكي يزاحم الإعلام الخالي من الرسالة.
 تانياُ: تنمية مهارة المشاهد على استنباط المعاني الكامنة في الأفلام عن طريق مناقشتها مع ذوي الخبرة في الجانب السينمائي.
 تالتاً: تقديم الثقافة بوسيلة جديدة محببة لدى الشباب لكي نذلل العقبه بين الشباب والثقافة.

وفي تعقيب من سعيد أبو معلا الباحث الإعلامي والمحاضر في قسم اللغة العربية والإعلام بالجامعة العربية الأمريكية – جنين قال: إن فكرة الوطن والعودة إليه هي فكرة جوهرية عانى منها المصريين وذلك في خضم ما عاشوه في فترة السبعينيات التي غادروا خلالها إلى دول الخليج والدول الأخرى، والتي ما إن بدأوا  بالعودة في فترة الثمانينيات حتى وجدوا هذه المعاناة التي صعبت عليهم التأقلم معها، وكذلك أشار إلى الاختيار السليم للعنوان ومفهومه، فالعسل دائما ما يرتبط بالجمال والحلاوة، وهذا العسل (الوطن) جميل جدا وما فيه من تاريخ وحضارة، لكن المشكلة فيه أنه أسود لا يستساغ كالعسل الطبيعي.
وبعد ذلك تطرق أبو معلا إلى مدح خاتمة الفيلم بوصفها بالمميزة، ورغم أنها كانت رومنسية باختيار البطل العودة إلى مصر، إلا أنها لم تكن مفرطة في الرومانسية، من خلال إشارة الفيلم إلى أن العودة إلى الوطن ما تزال خيار محكوم بالأجنبي أو بالآخر وذلك - عن طريق رفع الجواز الأمريكي الذي تحترمه المؤسسات المصرية – لإجبار الطائرة التي يركبها للعودة والنزول في المطار. وبذلك أعلن المؤلف عن تحيزه لخيار العودة، مع اعترافه بالواقع الظروف المحيطة بالعودة.

وفي معرض الحديث إلى الزوار أبدى الكثير منهم شكره وثنائه على هذه الخطوة التي قدمها النادي من أجل الخروج من دائرة الأفلام التي لا تقدم إلا عروضا غير مفيدة، أو إعادة مستعارة للأفلام ذاتها في نفس المواضيع وغالبا في نفس الممثلين دون تقديم حلول.

وأعربت ميساء الأحمد مديرة جلسة النقاش وعضوة النادي بالقول: إن اللقاء كان يستحق أن يطلق عليه اللطيف، فجو النقاش بعد الفيلم كان مريحا جدا وغنيا، وذلك بناء على ما أثاره الفيلم من عاطفة وتفاعل لدى الجمهور الحاضر، إضافة إلى أن الأفكار الرئيسية التي تحدث عنها الفيلم استطاع الجمهور استنباطها بشكل سريع مما جعل النقاش مباشر وعميق في لب فكرة الفيلم التي تتحدث عن الاغتراب وأضفى طبيعة تفاعلية على الحوار.

ويعبر محمد ياسر أحد الحضور قائلا: أن الفيلم نجح في تجسيد المشاكل التي يعاني منها الشعب المصري، وعرض العديد من القضايا المهمة كمشكلة المياه وبعض القضايا والعادات الإجتماعية (كمفهوم العيب)، وقمة الذروة كانت في مشهد الشرطي عندما رد على استنكار أحمد حلمي للشرطي عندما قال له الشرطي (الشرطة والشعب في خدمة الوطن)، والوطن بتعبير حلمي، هم من يملكون ضربا من الحظ لتجاوز كل تأخير يعيقهم عن مذلاتهم.

وفي نهاية اللقاء دعا خميس الجمهور الحاضر المهتم على مواصلة ومتابعة نشاطات زدني والمشاركة فيه، من أجل الوصول إلى الهدف الأسمى للنادي: النهضة بمستوى الشباب المعرفي والثقافي.

فكرة الأجنبي وتواجده في بلد يحمي حقه نتيجة علاقة البلد بأي شكل كانت مع دولته، هي بحد ذاتها إهانة إلى الأرض وكرامة شعبه، وهنا يمكن الحديث عن هذه الزاوية البسيطة في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية وتطبيق هذا المشهد عليه،

وفي معرض الحديث عن هذا الموضوع يرى عبد الله عبوشي: أن الخلل الموجود عندنا يكمن في أجهزة الدولة، لكن شعبيا يعامل الأجنبي كما نعامل أنفسنا، ويتم التعامل معهم كأصدقاء ويفدم لهم كرم الضيافة المعروف عند العرب، على العكس من تعامل الجولة معهم والتي لا ترى فيهم أكثر من اقتصاد متحرك وتريد الاستفادة منهم، دون الالتفات إلى نوعية السياح الذين يأتون إلى هذ البلاد لزيارتها، ودون التفكير في استغلال العقول، إنما الالتفات والسؤال عن تفاصيل حياتهم.

بينما يرى الإعلامي الفلسطيني من الداخل الفلسطيني محمد خيري والذي عاش تجربة حدثنا عنها: إن الوضع الموجود في مناطق الضفة هو تماما الموجود في مصر، ويقول: إن أول مرة شاهدت فيها هذا الفيلم كان في القاهرة، في أول عرض له في دور السينما هنالك، وكان فعلا يصف واقعا كنت عايشته في القاهرة بنفسي؛ وذلك لأني من حملة الجواز الإسرائيلي.
الجميع يعلم على الأقل كيف يعامل المواطن الأوروبي من الناحية الإقتصادية، وكيف يتم استغلاله والنظر إليه. ولكن المشكلة بعد قدومي ودراستي في الضفة الغربية، رأيت الكثير من الحالات المشابهة للواقع الذي عايشته، وليس أمر من ذلك وخصوصا في حالات الاستغلال: "أنه وللأسف ترى أهل الضفة الغربية في كثير من المناطق يتعاملون مع الزوار من الداخل الفلسطيني إلى الضفة الغربية أنهم سواح، وتشعر بأن الاستغلال لهم واجب.

هذه النهاية الدراماتيكية التي تتحول فيها الآراء من تطبيق عملي على واقع الأرض، من بلد إلى بلد؛ ولذلك للشعور القوي بالرابطة "العربية" التي تجمع بين هذه الشعوب، تجعل من المرء منصفا لذاته، فالمخرج لم ينهي الفيلم في حل رأي واحد، بل جعل لكل فرد رأيه في إنهاء معاناته ومحنته، فهو يعرف تماما أن لكل مجتمع عربي ومهما تقاربت مجتمعاتنا في روابط التواصل بينها، فكل له خصوصيته وطريقته، وثقافة حياة يتمنهج حولها .. وحول هذا الميثاق الإجتماعي يطلب المخرج أن يكون الحل نابعاً منه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أي تعليق مسيئ أو يحوي على كلمات لا أخلاقية سيتم حذفه .. شكرا لكم