الجمعة، 7 سبتمبر 2012

الضد وضده الدعاية الأمريكية



قراءة في كتاب السيطرة على الإعلام .. لنعوم تشومسكي
............................................................

إعلام مختلف لا تجد فيه إلا هدف الربح، وتقريب السياسات ووجهات النظر، وهو منذ ما يقارب المئة عام وأكثر كذلك.

 نقاط كثيرة في الكتب والدراسات والمقالات تبحث عنها وتجد ما تريد وتؤمن بما تريد منها، فالنفس ومحبة الاستمرار في البحث تجعلك إما مؤمنا فيها أو تعطيك مجالا بالبعد عنها عن باتخاذك موقفا منها.

هنا لا يوجد إلا كتاب واحد عل الباحث يستطيع منه إيجاد مفاهيم الدعاية المختلفة منذ نشأتها الرأسمالية في الولايات المتحدة الأمريكية. فكتاب السيطرة على الإعلام لصاحبه ومؤلفه نعوم تشومسكي وباعه الطويل في الصحافة والسياسة، هو أهم عامل في البحث عن المعاني والكثير من الآراء في السياسيات الأمريكية وخاصة الدعائية منها.


علني هنا أقتبس جزئا من نص مكتوب، ونورد به تطبيقا واقعيا للدعاية الأمريكية. هذا النص جزء من كتاب السيطرة على الإعلام، وبالتحديد من فقرة حرب الخليج الأولى، وما أرادته الولايات المتحدة من خلق عدو جديد بدل العدو المتفكك(الاتحاد السوفيتي)، للتخلص من عبئ أزمتها الداخلية بالخارجية، لتلعب الدولة الكبرى بالاقتصاد كما تريد، ولتوهم من جديد شعبها بأن الحل الوحيد هو القضاء على الإرهاب:

"إن العراق في حقيقة الأمر قدمت عرضا لحل الأزمة مع الكويت سلميا، وأن هذا الأمر قد نشر عبر مسؤولين أمريكين على مستوى عال ثمانية أيام فقط قبل الحرب. ففي 2 يناير نشر أولائك المسؤولون تفاصيل عرض عراقي للانسحاب من الكويت في مقابل أن يُعنى مجلس الأمن بمشكلة الصراع العربي الإسرائيلي، وكذا مشكلة أسلحة الدمار الشامل، وقد رفضت الولايات المتحدة الأمريكية التفاوض حول هذا الموضوع" (1).

هذه النقطة الحاسمة التي لطالما أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تدعمها عبر دبلوماسيتها، فهي فقط للتسويق الخارجي؛ فالولايات المتحدة وبعد الدعاية التي كانت تسوقها من خطر الاتحاد السوفيتي والروس أصبحت غير قادرة على الرجوع إلى هذه اللعبة، فالأمريكيون علِموا هذا وعلِموا أن الاتحاد السوفيتي بانهياره - وما كان يملكه من قوة - لا يمكن أن يشكل خطرا على الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن سذاجة الشعب الأمريكي لا تكمن إلا في توقع الماضي. فالمسؤولون الأمريكيون يتلاعبون بهم لإبعادهم عن المشاكل الرئيسية للشعب الأمريكي - كما  الاقتصاد والأزمة التي تعاني منها البلاد بسبب الاستثمارات الخاصة-، والتي في غالب الأحيان توجه فيها أصابع الاتهام نحو "الإرهاب" الذي إن لم نتمكن بالخلاص منه فإنه قد يتسبب لنا بمشاكل أكبر من ذلك !.

وبهذا فإن أفضل حل لهذه الأزمة أن تترك الولايات المتحدة لنفسها مكانا لتصنع دعايتها فيه(العراق)، وهو نفس المجال الذي أخرجه استطلاع معهد ماساشوسيتس(2)، بأن أمريكياً من كل شخصين: يرى بأن الاحتلال لدولة أو لشعب، لا يمكن تحريره إلا بالقوة العسكرية، وهذا بالضبط الخيط الذي لعبت عليه الولايات المتحدة، فكان غطاء لإبعاد الشعب عن همومه الداخلية، وتوجيه الأنظار إلى الخارج باعتباره الحامي الأوحد للشعب والجيش الأقوى في هذا العصر.

لكن وبالعودة إلى سذاجة الشعب الأمريكي، فإن الإعلام الأمريكي المسيطر والمحرك لوجهات النظر لا يترك مجالا للشك بأن الشعب هذا سمج للغاية في التعبير عن أفكاره: فالأصل في الاستطلاع الذي أعدته جامعة ماساسوشيتس أن يأتي دحر الولايات المتحدة الأمريكية لأي عدوان عسكري على الأرض والشعب.
فبهذا يأتي خيار فلسطين التاريخية على رأس القائمة لو أعددناها للجيش الأمريكي، فإعادة الحق إلى أصحابه، هو ما يسمو إليه الشعب الأمريكي الذي يظن نفسه مثقفا ومتطلعا على الأمور السياسية الداخلية والخارجية لبلاده.

وما خرج حديثا عن المعهد لا يبشر بأي نتائج يريدها الإعلام، أو يضفي طابعا بأن السياسة والإعلام الأمريكي في هذه الفترة لا يفكرون في لفت أنظار الشعب الأمريكي خارجا، فيبدو أن الوضع الاقتصادي الذي ما يفتأ أن يتكلم به الاقتصاديون الأمريكيون بدأ يتحسن.

هنا لا يمكن أن نذهب بعيدا دون أن تكون هنالك رؤية في أفكار الشعب الأمريكي الذي تحركه وسائل الإعلام وتعبر عن رأيه. والتي بدعايتها الخادعة تستطيع أن تأخذ الموافقة منه لأي عمل تريد.
هذه الرؤيا يعبر عنها دائما بالدعاية المساقة لكسب التأييد وحشد الآراء حول ما يريد السياسيون، فجل كتاب السيطرة على الإعلام يتحدث عن الدعاية وفنها في قولبة الآراء وجعلها متناسقة مع الآراء السياسية، والتي عبر عنها تشومسكي بجزء كامل عن إدارة الرأي العام وجزء آخر للعلاقات العامة، فهو يذكر التاريخ الأول الذي بدأت منه الدعاية من أجل تغيير فئة العمال التي فازت بانتخابات النقابة والتي يطلق عليها "قانون واجنر(3)"، وكيف كادت العصبة الرأسمالية وعلى رأسها الاقتصاديون المحتكرون  أن يؤدي تعجلهم لوئد "الديموقراطية". ولولا قيامهم بلعبة الدعاية في تشويه صورة الشخصيات القائمة على النقابة، والتي نجحت بشكل كبير في قولبة الرأي العام وعودته إلى أحضان الإقتصاديين، لكان هذا المفهوم الديموقراطي والرأسمالي قد اختفى تماما، وهذه الدعاية الموجهة أصبحت تعرف بالتاريخ الدعائي ب"وادي موهوك (4)".

فكرة الدعاية ضد العراق 2003 
لم تنته فكرة الدعاية عند هذا الحد الذي يعتبره البعض جزءا من الحروب التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه عوالمها الداخلية والخارجية، فالماكينة الإعلامية الأمريكية تعمل وبكل جهد من أجل خلق الرأي العام.

ولعل هذه الدعاية المستمرة لا تكمن إلا في إنشاء الموارد الإعلامية المضللة في الدعاية الإعلامية، فالدعاية تعود بالفائدة لسياسة الولايات المتحدة وكذلك بالمنفعة لأصحاب الشركات الدعائية – والذين في الغالب هم السياسيون والاقتصاديون القريبون من رموز الحكم- وهي جزء من لعبة التسويق التي تستهدفها الجهود الدبلوماسية الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.

وكذلك فإن الدعاية الأمريكية الموجهة إلى الداخل، من السهل التعامل معها وقولبة الرأي العام فيها من أجل الخروج إلى الحرب، ولكن المهمة الأساسية للشركات الدعائية هي إقناع الشعوب الأخرى بهدفها المعلن.

هذا الطريق والأسلوب المتبع لكسب التأييد مع الحرب ضمن السياسية كان متبعا في سياسة جورج بوش الابن: فعملية الدعاية النفسية التي مورست من خلال نشر المقالات في الصحف العراقية ومنها المقالات التي كانت تنشر في صحيفة أسبوعية "بغدادية" وتأتي من لدن مجمع "فوت براغ" والتي كان من الصعوبة اكتشاف أنها تأتي من الولايات المتحدة وذات طابع عسكري(5).  وبالإضافة إلى ذلك فقد كانت هنالك طرق أخرى بإلقاء المنشورات من الطائرات فوق المدن العراقية. ولعل أهم وسيلة كانت تهدف إلى كسب الرأي والدعم العراقي الداخلي: هي إذاعة تكريت التي أطلقت في شباط 2003 أي قبل الهجوم، واتخذت منهجا مشابها لمنهجية الإذاعات العراقية وما لبثت أن تغيرت لهجتها عند بدء الهجوم وحققت بذلك استماع وترقب.

هنا لا بد أن يأتي التأكيد المستمر من الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن على وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق، وتصيد الفرص والسهوات من الإعلام الأمريكي للإعلام العراقي للتأكيد على وجود الأسلحة، وتذكير الشعب الأمريكيى باستمرار بعلاقة العراق بحادثة 11/سبتمبر، مما أدى إلى جعل الرأي العام مطابقا للآراء السياسية في شن الحرب.

فكرة الدعاية ضد العرب الإرهابيين
لا شك أن العرب كانوا الهدف الأول للدعاية الأمريكية وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، والذي وجد الأمريكيان ضالتهم فيهم ليلقوا باللوم عليهم، وليكونوا كبش الفداء لأي أزمة يعاني منها السياسيون في الداخل، والتصدير كالمعتاد هو الحل الأول.
ولكن الدعاية ضد العرب والتي استمرت منذ 1991 والتي تصاعدت حدتها بعد أحداث 11 من سبتمبر، والتي كان لها الأثر البالغ في "الحرب على العرب" باعتبارهم أقواما بدائية تسعى إلى إقامة "خلافة إسلامية" ولا يوقفهم المكان.
 فكان لذلك الأثر البالغ في شن الحرب على أفغانستان التي كانت تحكمها طالبان والتي هي في كثير من أعضائها وأعضاء جارتها الزميلة القاعدة هم من العرب، وأفكارهم شبيهة "للإرهابيين العرب".

فكرة الدعاية الجديدة ضد الروس( 2011)
يأتي الدور الأبرز في الانتقال المستمر للماكينة الإعلامية، فإلى حد ما ينتهي عند الشعب الأمريكي مهزلة الدعاية وتبدأ مرحلة التفكير في الماضي. لكن كالعادة ينسون التفكير في المستقبل.
فلطالما كان العدو الأوحد للأمريكان ولسلسة ماكيناتهم الإعلامية (الهوليوودية) العرب، وذلك على مدى القرنين الماضيين، فأخرجوا العرب في حلتهم الإرهابية اللامتحضرة، والقائمة على العنف. ولكن اليوم بدأت تشهد الولايات المتحدة عزوفا قليلا عن الإرهاب العربي وتحويل هذه الفئة الضالة إلى الجانب الروسي.

فالمتابع للماكينة الهوليوودية يرى الأفلام الجديدة التي بدأت تخرج الروس بحلة الإرهاب، والتي لا تترك فرصة أمامها في دج الشخصيات الروسية في الأفلام ومحاولة إعطائها أدوارا شبه رئيسية. فلعل التشديد على "الغباء الروسي"  وخاصة من ناحية العلماء الروس، وأنهم سبب المشاكل التي تحدث مع العلماء الأمريكان، والذين دائما يتقبلون الأخطاء بكل ود من أصدقائهم العلماء الروس، وعلى هذا المنوال.

لكن يبقى الجديد في الماكينة الهوليوويدة، الخوف من السياسة الروسية التي بدأت تستعيد أوج رونقها منذ عودة بوتين إلى سدة الحكم منذ مطلع العام الحالي، وشخصيته القوية في الأوساط الروسية، وإعادة إحكام قبضة الدولة على كثير من الامور. فلم تنفك سلسلة الأفلام الأمريكية mission impossible"" بأجزائها الأربعة، والتي تظهر الروس بصورة إرهابية، والذين يسعون إلى تدمير العاصمة الأمريكية نيوويورك، بالإضافة إلى هذا فإن الفيلم يظهر العظمة الروسية بجبروتها وقوتها الممتدة منذ بناء الإتحاد السوفيتي والمتمثلة في روسيا الإتحادية بقيادة بوتين، بضعفها الشديد؛ وذلك باختراق القصر الرئاسي(الكريملين) وتفجيره بكل سهولة، وكأن الدولة والعظمة ماتت بموت الذكاء الشديد الذي يحرسه، والذي استطاعت 3 شخصيات أمريكية أن تخترقه وتتجول فيه وبكل سهولة.


هنا يأتي المستقبل اللاواضح المعالم، والذي دائما توهم الدعاية الأمريكية بالحل الذي ينبع من سياستها الحكيمة، وهو ما يرتبط ارتباطا جليا باقتصادها المتراكم والمتجذر في يد "النخبة الأرستقراطية"
فالاعتماد الواضح  على جهل الشعب الأمريكي وفكرة التهويل التي دائما تتبعها السياسة الأمريكية والقدرة العالية على تضليله، هو محرك أساس لعملية الدعاية الفتاكة بالشعوب الأخرى، وعل هذا كله يلخص في تعريف الديموقراطية الذي يراه تشومسكي بالتعبير عنه: هو أن يمنع العامة من إدارة شؤونهم وكذا من إدارة وسائل الإعلام التي يجب أن تظل تحت السيطرة المتشددة.
فهذا هو التعريف الفعلي للديموقراطية لدى السياسيين والاقتصاديين الأمريكان، وهو المطبق على أرض الواقع.


1 - نعوم تشومسكي - السيطرة على الإعلام - مكتبة الشروق الدولية. ط1.  ص32
2 -  نعوم تشومسكي –  مصدر سابق.  ص31
3 - نعوم تشومسكي – مصدر سابق.  ص13
4 - نعوم تشومسكي – مصدر سابق.  ص14
5 - مركز صقر للدراسات الستراتيجية...العدوان على العراق حرب الخليج الثالثة (2003) - الحرب الإعلامية والنفسية ضد العراق
منشورة في موقع الجبهة الوطنية والقومية والإسلامية:- http://www.jabha-wqs.net/article.php?id=10369

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أي تعليق مسيئ أو يحوي على كلمات لا أخلاقية سيتم حذفه .. شكرا لكم