لطالما حدثني جدي، حول الزمان الغابر، فلا
شيء ممتع لديه أكثر من الحديث والحديث عن نكبة الشعب الفلسطيني! التي عاصرها، فهو
يحدثني دائما حول النكبة ثم النكسة ثم نكبات ونكسات متتالية متتابعة.
يحدثني جدي عما رآه وعاصره من نكبات بأسى
بالغ، طريقة كلامه هي هي ذات الطريقة، لم يغير فيها امرا ولم يأل جهدا في تنسيق
روايات أخرى بأشكال مختلفة.
ولكن، في المرة الاخيرة دهشت حقا!. فقد فاجئتي
علامات الفرح والتجاعيد المرتسمة في وجهه كانت كلها مبتسمة.
هذه المرة الأخيرة كانت يوم الجمعة الماضي. والقصة التي حدثني بها كنت
قد سمعتها منه، هذه القصة كانت حول نكسة السابع والستين وتسعمائة وألف (1967م).
يبلغ جدي من عمره عتيا، فهو من مواليد عام 1936م وقد عاش النكبة وعايشها
وما زال يذكرها، فهو يؤكد حتى اليوم أن سبب هجرته مع أهله من مدينة حيفا نهاية عام 1947م كان الضغط الذي مورس على السكان من
قبل اليهود داخل المدينة، ومن جرائم الاحتلال التي ذاع سيطها آنذاك في المدن
والقرى الفلسطينية.
سألت جدي، عن الفرحة التي اعترته هذه المرة على غير ما عهدته من قبل،
خاصة وأنه يتحدث عن النكبة، فآثار ذلك فضولي، فالنكبة ليست حديثًا مفرحًا؟
إنه الامل، هكذا قال جدي: الثورات يا بني، هي من أعادت إلي الامل بعد أن
جفت عيني من الدموع، لقد عاد إلي الأمل الذي انتظرته منذ أيام الخمسينيات
والستينيات من القرن الماضي في عهد كانت الناس
تأمل بأن يعيد النظام العربي القومي – جمال عبد الناصر(الناصري)- فلسطين
للعرب وأن يعلو من شأنهم .
كلامه المثير عن الوضع السالف والحالي وتحليلاته أعطتني جزءاً من فهم
لحياة مليئة بالمشاق والمتاعب. نظرته إلى الحرب 1967م وتحليله الذي لا يعجب الكثير
من الناس، فهو يرى بأنها كانت لعبة من الألاعيب التي يخطط لها في غياهب القاعات
المغلقة، والتي لا يدرى من يكون فيها، فالخلاف الدائر بين الرؤساء العرب والذي
انتهى بدقائق. جعل في نفسه رقة أدت به للبحث، وإذا به فعلا كما في نظره أمام
مؤامرة كبيرة.
هذه الواقعة التي ذكرها لي بحثت عنها، فإذا بها صحيحة مما زاد من
يقيني بأن هذه الحرب كانت ألعوبة لا محالة.
قبل الحرب بيوم واحد كان جمال عبد الناصر قد أعطى إجازة إلى جميع
الضباط في الصف الأول وكذلك المتواجدون على الحدود والذين من المفترض بهم أنهم على
أهبة الإستعداد لخوض حرب في أية لحظة فبالله عليكم هل يستطيع أحد أن يجيبني كيف
يحدث هذا ؟!.
الله اكبر الله أكبر، باغتنا المؤذن بصوته الشاحب، فترك جدي مجلسه
وانتفض واقفًا، فلا أهم لديه من أداء الصلاة في وقتها.
قبل أن ينصرف من مجلسنا، ويذهب لاداء الصلاة، قال جدي كلمته الاخيرة،
ولعلها أقرب إلى النصيحة، قال: "هاي الثورات ملهمة، ولازم نحافظ عليها وما
تخلي حدا يلتف عليها ويسرقها، ولازم تكون ضوي لطريق الحرية للعرب ولغيرهم".
هذه هي النهاية التي وددت بأن لا تنتهي في هذا المقام فالحديث شيق،
إلا أن جدي العزيز وعد بأن يعطيني وقتا آخر من أجل أن أستزيد منه ومما يراه،
فحديثه الممتع أراني أفقا آخر أتمنى أن يراه الأحفاد من أجدادهم.
هذا ما كنت كتبته قبل عام من الآن(3/6/2012)، ولا زلت أذكر كل ما في جعبة جدي لي، لكني الآن متسائل، هل جدي ما زال على يقين مما قال؟ أم أنه غير في رأيه بعد الأحداث التي حصلت ؟!!
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أي تعليق مسيئ أو يحوي على كلمات لا أخلاقية سيتم حذفه .. شكرا لكم