على عتبة "الدار" تنتظر الشتاء بتفاصيله الجميلة، بدفئه وبرودته، لكن هنا: في هذه الدار الباردة. هنا بعيدا عما أراه من الدفئ والحرارة، تستيقظ صباحا لترى الغيث قد أهل بالأرض معطيا لها، وتتذكر بعض طول غياب: "لولا رحمته بالبهائهم".
وتنتبه بعد أن تذري أواخر النوم عن عينيك أن هذا المطر جلب معه شيئا آخر؛ والآخر هو ذلك البعيد في البحر واقف غير عابئ بأحد.
تأتي لتدع ظهرك لنابلس، مستشرفا البحر وأمجاده وخيباته، تنطر إلى ذلك الساحل لترى الجنود والجيوش التي عبرته شمالا وجنوبا، تحملق بعينيك وتتمنى القرب منهم، تحاول أن تعاصرهم، لكن لن تستطيع. يهيبك منظر البحر الجلي الذي وقف سدا منيعا أمام الجميع، في الضياء وفي الظلام.
تترنح في رأسك كالقتيل معيدا مشهدا مررت به في أول جلوسك: تعيده يمينا لترى بعينيك ولكن؛ جسدك متمسك بذاك الاتجاه.. اتجاه البحر..!! تريد أن يسرق هذا جسدك بضع لحظات من النسمات قبل اختفاءه.
عندما تبدأ العودة بعينيك، ترى ما لم تره في الذهاب، ترى الجبال والوديان تصعدها وتهبطها عدة مرات، ترى حوافر الخيل تجيء مسرعة، ودخان السيارات يتطاير، لا تعلم أنت أين أنت.. لكنك ترى الماضي بتفاصيل ما تعرف، تستشرف ماضيا قريبا حول ما أُلتَ وزمانك إليه.
تنظر باتجاه المدينة لا تعرف إلا ما تعرفت إليه وتقول يا ليتني لم أتعرف!!؛ حب الجاه والمال والسطوة والسيطرة والعلاقات المتينة والزيجات السياسية للتنفذ والبقاء من أسياد هذه البلاد.
في الرأس الملتف وحيدا يجول في الخاطر ما كنا وما صرنا وما كان بالإمكان أن نكون.. لا ترى هنالك سوى ضبابا معتما أشرف هنالك في ذهنك.
وهنا ضباب آخر أشرف حقا ليمحو من أمامك مشاهد كثيرة.
لا تدري هل هنالك حسرة أن يستشرف هذا الرأس ماضيا ويبقى الجسد ناظرا إلى المستقبل.
لكنني أدري مثلا جميلا حدثتني به جدتي: ثوب العيرة ما بدفي.
الإيمان أن تعرف: أنت ما أنت، لا حيثما تكون.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أي تعليق مسيئ أو يحوي على كلمات لا أخلاقية سيتم حذفه .. شكرا لكم