عند سؤال هذا الصديق عن موقع الفيس أو
التويتر للتواصل معه والاستفادة منه، أجاب باستغراب: عذرا، سأعطيك إياه، لكنك لن
تجد فيه شيئا إلا الخصوصية، وستجد أشياء شخصية، وعليه أضيفك ولا مشكلة لدي.
عادت فكرة قديمة تلمع في خاطري أن
الفيسبوك أصبح يقلل من علاقاتنا وانسجامنا مع الطبيعة المحيطة، وتقليل علاقاتنا
الاجتماعية، ففي يومنا هذا أصبح الاتصال الهاتفي مع الأصدقاء، أمرا صعبا، ليحل
مكانه كتابة جملة على الحائط، وأصبح يُستبدل برسالة خاصة على الفيسبوك.
في هذا الوقت الذي يزيد تعامل المرء مع
مواقع التواصل الاجتماعي ويكبر فيه عدد "الأصدقاء" الذين لا نعرف أغلبهم
في الحقيقية، أصبحت هنالك هوة في الحقيقة؛ فأصبحنا نخسر كثيرا من العلاقة الحميمية التي ينتجها التواصل
وحرارته.
هنالك في الفيسبوك أصبحت حميمية اللقاء التي تحرمنا من كثير من السعادة التي وجدت في الأرض،
تحرمنا من سعادة وجوهنا، وسعادة من نسعدهم، لتصل بنا أن تنسينا حرارة السعادة
ذاتها.
إلى هنا كتبت ووقفت، لكي أستعد لإكمال
كتابتي في هذا الصباح، لكني استيقظت ووجدت نفسي أقرأ صباحا عن الفيسبوك وتأثيره،
والذي أظنه وصف وأوضح أكثر مني، ففي ثلاثة مقالات يصف الكاتب طوني صغبيني علاقة الفيسبوك بالجمهور الإنساني، قائلا:-
مع الوقت، نخسر حرارة ما في قلبنا من دون
أن نعرف لماذا وكيف. الأمور تكون emoticons (أيقونات تعابير
الوجه) تستبدل الإموشن emotion (العاطفة) وتحرم عضلات وجهنا
من التعابير… لكن هل نعلم أننا كلما استبدلنا ضحكة برمز إلكتروني، وكلما استبدلنا حزنا
برمز وغمزة برمز وقبلة برمز، نقتل القليل من ضحكتنا وحزننا وعاطفتنا وقبلتنا؟ هل نعلم
أنه كلما أرسلنا ضحكة على الكيبورد بدل أن نضحكها حقاً، يموت جزء صغير من وجهنا وينسى
كيف يفرح ويضحك؛ وكلّما أرسلنا قبلة على الكيبورد، تموت عضلة صغيرة في قلبنا وتنسى
شفاهنا قليلاً كيف تقبّل حقاً؟.
ويكمل صغبيني بقوله إن التسطيح الأكبر يحصل
حين نضع كل الناس التي نعرفها في مكان واحد، مكان يتساوى فيه الصديق مع الغريب مع الحبيبة
مع الوالد مع الموظّف مع ربّ العمل. كلهم في مكان واحد وكلهم يراقبون كل ما نفعله على
الموقع وكلهم لديهم توقّعات اجتماعية متناقضة منّا. الحصيلة هي المزيد من التوتّر والشلل
الاجتماعي، والمزيد من السطحيّة في التفاعل مع الآخر.
هنا فقط يحولنا الفيسبوك إلى صورة جميلة
تبتسم، وإلى ستاتوس ذكي لا يتعدّى 200 حرف، لكننا كبشر أكثر من ذلك بكثير. نحن قوس
قزح من الرقص والفرح والحزن والغضب والابداع والجنون والعشق والقتال والأسرار. لكن
الفايسبوك لا يسمح لنا بذلك لأن محرّكه الأساسي هو التنافس بين الجميع لإظهار أنفسهم
على أنهم يمتلكون الحياة الأكثر إثارة ونجاحاً سعادة، كأننا في صفّ كبير في الثانوية
يتبارى فيه الجميع للظهور على أنهم الأجمل والأفضل.
هذه المقالات الثلاثة موجودة على موقع شبكة قدس للكاتب طوني صبغيني،
تحت عنوان: العيش
"كصورة" كيف يجعلنا الفايسبوك أكثر تعاسة:-
لنكن جميعا متفقين أننا معا، قادرون أن نفعل ما نشاء، لا أن تفعل لنا
مواقع "التواصل الإجتماعي" وتبني لنا أشياء غير موجودة في الحقيقة وتحطم
الحقيقة أكثر وأكثر.
ذاك الصديق الذي تعرفت عليه بالأمس، أتمنى أن يظل صديقا لي في
الحقيقة، أبحث عنه وأسأل عن أخباره، وأنا الآن لا أريده في هذا العالم، لأكتفي
بنفسي كما اكتفى بنفسه بين عائلته، بعيدا عن الافتراض، والعبش الجميل في الواقع.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أي تعليق مسيئ أو يحوي على كلمات لا أخلاقية سيتم حذفه .. شكرا لكم